×

التنظيم القانوني للعلامة التجارية الصوتية

اخر الاخبار والمواضيع

زيـــنة شــاكــر خـسرو التنظيم القانوني للعلامة التجارية الصوتية

التنظيم القانوني للعلامة التجارية الصوتية

تشهد الأنظمة القانونية الحديثة تطوراً ملحوظاً في مفهوم العلامة التجارية، إذ لم تعد تقتصر على العناصر البصرية المعهودة، بل تمتد لتشمل ما يُعرف بالعلامات الصوتية التي تعتمد على حاسة السمع في إضفاء التمييز على السلع والخدمات ويقصد بالعلامة الصوتية، هي الصوت او النغمة المميزة التي ترتبط بمنتج معين، وتكون قادرة على تمييزه في اذهان المستهلكين دون الحاجة إلى أي إشارات بصرية مصاحبة. وتكمن فاعلية هذه العلامات في تأثيرها السيكولوجي العميق على المتلقي، حيث تنشئ روابط وجدانية أقوى من تلك التي تحدثها العلامات البصرية، وذلك لما تتمتع به الأصوات من قدرة استثنائية على تحفيز الذاكرة السمعية التي غالبًا ما تدوم آثارها في الوجدان لفترة أطول، وهذا ما تؤكده الدراسات المتخصصة في علم النفس والتسويق. ويتضح هذا التأثير جليا في الأمثلة العالمية الشهيرة كنغمة هواتف نوكيا المميزة، ولحن حملة ماكدونالدز التسويقية (I’m Lovin’ It)، وصوت إعلانات إنتل (Intel Inside)، وكذلك النغمة الخاصة بشركة اتصالات في دولة الإمارات العربية المتحدة التي نظمها القانون الاتحادي رقم (36) لسنة 2021 بشأن العلامات التجارية.

وإذ تعد العلامة الصوتية مثالاً بارزاً على تطور مفهوم العلامة التجارية ليشمل عناصر بصرية، فان هذا التوسع يمتد ليشمل انواعاً أخرى مثل العلامات التجارية الذوقية والشمية والحركية وثلاثية الابعاد وغيرها من العلامات مما يعكس التطور في مفاهيم العلامات التجارية الحديثة ويأتي ادراج العلامات التجارية غير التقليدية في أطار سعي الأنظمة القانونية لمواكبة المنافسة التجارية المتزايدة وحرص المنتجين على تمييز سلعهم وخدماتهم بشكل يضمن لهم حقوقا لملكية الفكرية ويحميهم من منافسة غير المشروعة.

وعند النظر الى قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957، نجد ان المشرع العراقي لم ينظم العلامة التجارية الصوتية بشكل مستقل، وهذا الامر مرده الى قدم هذا التشريع من جهة، وعدم وضعة لقواعد خاصة بكل علامة من جهة أخرى فالنصوص القانونية محدودة ومتناهية، والتطورات الاقتصادية والقانونية غير متناهية، وما كان متناهي لا يمكن ان يدرك غير المتناهي، الا ان المشرع العراقي، من خلال الأمر رقم (80) لسنة 2004، قد خطا خطوة هامة بتعديل المادة (1) اذ نصت بان ((العلامة التجارية – اي اشارة او مجموعة من الاشارات يمكن ان تشكل علامة تجارية يمكن من خلالها التمييز بين سلع مشروع ما عن سلع مشاريع أخرى…. ولا يشترط في الاشارة ادراكها بصريا حتى تصلح للحماية كعلامة تجارية.)) من خلال مفهوم المخالفة للفقرة الأخيرة من المادة الأولى نجد ان المشرع العراقي قد أشاره بصورة ضمنية الى إمكانية ان تكون العلامة صوتية، فلم يشترط ان تكون بصرية حصراً. بيد أن هذا الاعتراف الضمني -المستفاد بطريقة الاستنباط القانوني، يبقى قاصراً عن توفير الإطار التنظيمي والإجرائي الواضح لتسجيل العلامات الصوتية.

فيلاحظ غياب الآليات القانونية لكيفية إيداع هذه العلامات، والمتطلبات التقنية اللازمة لتسجيلها (كتحديد صيغ الملفات الصوتية أو التمثيل النغمي)، ومعايير فحصها لضمان تميزها وجدتها. كما تفتقر السجلات العراقية إلى أي تطبيقات عملية في هذا المجال، مما يشير إلى محدودية التنظيم القانوني والإجرائي المتاح لتسجيل العلامات الصوتية في العراق، وما تجدر الإشارة اليه ان وزارة الصناعة والمعادن قد بدأت بالفعل العمل على إطلاق رابط الكتروني لتسهيل تسجيل العلامات التجارية وتقليل الأخطاء الا ان مدى شمولية هذا النظام وقدرته على التعامل مع المتطلبات التقنية الخاصة بالعلامة الصوتية غير واضح.

وعلى النقيض مما هو معمول به في القانون العراقي، فقد تبنى القانون الاماراتي رقم (36) لسنة 2021 الخاص بالعلامات التجارية تعريفاً شاملاً اقرمن خلاله بالحماية القانونية للعلامات الصوتية. فقد نصت المادة الثانية من القانون المذكور صراحة على ان العلامة التجارية ((كل ما يتخذ شكلا مميزا من أسماء او كلمات …. ويجوز ان تعد علامة تجارية تلك الخاصة بالصوت او الرائحة.)) وهو ما يعكس اتجاه المشرع الاماراتي نحو مواكبة التطورات الحديثة في مفاهيم العلامات التجارية. وجاءت كذلك اللائحة التنفيذية للقانون لتفصل الإجراءات اللازمة لتسجيل هذا نوع من العلامات حيث اشارت المادة الرابعة منها الى ضرورة تقديم النوتة الموسيقية والملف الصوتي بصيغة mp3 عند تسجيل العلامة الصوتية مما يوكد على التنظيم الدقيق لهذا النوع من العلامات الغير التقليدية.

 ويثار تساؤل بهذا الصدد حول من هي الجهة المالكة للعلامة التجارية الصوتية؟ هل هو الشخص الطبيعي (المؤلف أو المصمم) أم الشخص الاعتباري (الشركة المنتجة أو المسوقة)؟ فقد اجابت المادة (15) من قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957العراقي المعدل على أن ((يعتبر من قام بتسجيل العلامة مالكاً لها ولا يجوز المنازعة في ملكيته لها الا بدعوى ترفع لدى المحكمة المختصة)). يفهم من المادة أعلاه بإن مالك العلامة التجارية الصوتية هو الشخص الطبيعي أو المعنوي (كالشركة أو المصنع) الذي قام بتسجيل العلامة الصوتية باسمه لدى الجهة المختصة. أما مؤلف أو مصمم العلامة الصوتية، فلا يعتبر مالكا لها بمجرد التأليف أو التصميم، ما لم يكن هو نفسه من قام بتسجيل العلامة باسمه.

ومع ذلك، فإن تطبيق هذا المعيار العام للملكية في سياق العلامات الصوتية قد يثير تساؤلات حول الحقوق الأصلية قبل التسجيل والتحديات المتعلقة بإثبات الملكية في ظل طبيعتها غير البصرية، وهو ما يستدعي تنظيماً قانونياً أكثر تفصيلاً.

ان معالجة هذا القصور في التشريع العراقي تستدعي اتخاذ مجموعة من الإجراءات الهامة، وفي مقدمتها تعديل قانون العلامات التجارية الحالي وإصدار نظام خاص بالعلامات التجارية غير تقليدية يسمى نظام تسجيل العلامات التجارية غير التقليدية بما ينسجم مع طبيعة هذا العلامات ومنها العلامة الصوتية. كما تبرز ضرورة الاستفادة من التجربة الرائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال مع مراعاة الخصوصية والظروف المحلية. إن تطوير النظام القانوني في هذا الاتجاه سيسهم بشكل فعال في تحديث البيئة التشريعية للملكية الفكرية، وتعزيز الثقة في المناخ الاستثماري، ومواكبة التطورات العالمية المتسارعة في مجال حماية العلامات التجارية غير التقليدية التي تتزايد أهميتها باطراد مع التوسع الهائل في استخدام الوسائط الرقمية والمنصات السمعية في عالم الأعمال المعاصر.

زيـــنة شــاكــر خـسرو

Share this content:

عراقي عربي مسلم متعلم في سبيل النجاة مهتم بالشان السياسي والقانوني مستشار قانوني ادارة موقع الشبكة من اجل ثقافة قانونية والخبر الصحيح ادارة عراق المودة لاستضافة المواقع

ربما تكون قد فاتتك