
الخطاب الانتخابي بين حرية التعبير وضوابط القانون
الخطاب الانتخابي بين حرية التعبير وضوابط القانون
مع اقتراب موعد انتخابات مجلس النواب، أصدر مجلس القضاء الأعلى بيانًا حاسمًا دعا فيه المرشحين، أفرادًا وأحزابًا، إلى الالتزام بخطاب انتخابي مسؤول، بعيد عن إثارة الفُرقة أو الإساءة للآخرين خارج إطار التنافس المشروع.
وأكد البيان أن المخالفات الخطابية ستخضع للرقابة الدقيقة، وأن من يثبت تجاوزه قد يُحرم قانونيًا من المشاركة في الانتخابات.
هذا البيان يطرح سؤالًا جوهريًا: ما هي الأسس القانونية التي تحكم الخطاب الانتخابي في العراق، ومتى يتحول الكلام إلى مخالفة تستوجب المساءلة؟
أولًا: الأساس الدستوري
• المادة (38) من الدستور العراقي لسنة 2005 تكفل حرية التعبير، لكنها تربطها بعدم المساس بالنظام العام والآداب.
• المادة (14) تساوي بين العراقيين في الحقوق والواجبات، وأي خطاب انتخابي يثير الكراهية أو التفرقة يُعد انتهاكًا لهذه المادة.
• المادة (20) تمنح المواطنين حق المشاركة في الشؤون العامة والترشح، لكن ضمن إطار احترام القوانين.
ثانيًا: النصوص القانونية المنظمة للعملية الانتخابية
• قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020:
• المادة (32/أولًا): تحظر على المرشحين استخدام أسلوب التشهير أو التجريح بالآخرين أو إثارة النعرات الطائفية أو العرقية أو القومية أو الإقليمية.
• المادة (32/ثانيًا): تمنع استخدام المال العام أو موارد الدولة أو أماكن العبادة للدعاية الانتخابية.
• المادة (33): تمنح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سلطة فرض عقوبات تصل إلى إلغاء ترشيح المخالفين.
ثالثًا: الجانب الجزائي
• قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969:
• المادة (200) وما بعدها: تجرّم الأفعال التي تثير الفتنة أو الكراهية أو تحرض على النزاع بين فئات المجتمع.
• المادة (433 و434): تعاقب على القذف والسب بحق الأفراد.
رابعًا: دور مجلس القضاء الأعلى
البيان والتوضيح الصادر من مجلس القضاء الأعلى يأتي في إطار الوقاية القانونية، حيث يرسل رسالة تحذيرية للمرشحين بأن حرية التعبير الانتخابي ليست مطلقة، وأن تجاوزها إلى خطاب الكراهية أو الإساءة سيدخل في نطاق المسؤولية الجزائية والانتخابية، ما قد يؤدي إلى:
1. إلغاء الترشيح من قبل المفوضية.
2. تحريك دعوى جزائية بحق المرشح المخالف.
3. المساءلة المدنية في حال تضرر أحد من تصريحاته.
خامسًا: أهمية البيان
هذا البيان يسعى إلى:
• ضبط التنافس الانتخابي ضمن قواعد الشفافية والنزاهة.
• حماية السلم المجتمعي من الخطابات الانقسامية.
• تعزيز الثقة في العملية الانتخابية عبر ضمان تكافؤ الفرص للجميع.
الخلاصة:
الخطاب الانتخابي في العراق محكوم بمزيج من الضمانات الدستورية والقيود القانونية. وما جاء في بيان مجلس القضاء الأعلى ليس تقييدًا لحرية المرشحين، بل تطبيقًا لمبدأ أن الحرية مقترنة بالمسؤولية، وأن أي انحراف عن القواعد قد يحرم المرشح من فرصته في خوض الانتخابات.
سالم حواس الساعدي

مستشار قانوني واعلامي
Share this content: