
مراد راجح شلي: (يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة السابعة) انها الليلة السابعة يا يافا لقد بلع الرعب اقصاه مع وصوله ديمونا
(يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة السابعة)
انها الليلة السابعة يا يافا
لقد بلع الرعب اقصاه
مع وصوله ديمونا
(المفاعل – الرعب الأصفر) الحلقة السابعة
قلب الصحراء لا يعرف الرحمة.
في الجنوب، وسط الرمال المحروقة، يقوم هيكلٌ لا يُذكر إلا همسًا:
مفاعل ديمونا – ذاك الذي سمّوه يومًا: “السر الذي يحمي إسرائيل من النهاية”.
بُني في الخفاء، وتكاثر فيه البلوتونيوم كما تتكاثر الأساطير.
قالوا إنه “مركز أبحاث”، لكنه كان مرآةَ الرعب المتبادل.
في الخارج، العالم يجهل تفاصيله…
وفي الداخل، بعض العاملين أنفسهم لا يعرفون إن كانوا يشتغلون في العلم… أم في مقبرة نووية تنتظر الجنازة الأولى.
وحين قال الحرس الثوري الإيراني اليوم:
“على الاحتلال ومستوطنيه إخلاء مفاعل ديمونا فورًا”،
لم يكن ذلك تهديدًا تقليديًا…
بل نزعًا للقناع الأخير.
***
الساعة 4:14 عصر يوم الخميس 19 يونيو 2025 م .
تل أبيب – مقر عسكري سري محصن يتواجد فيه نيتنياهو .
جالساً هنالك في العتمة.
لم يفتح النور، ولم يطلب شيئًا.
عيناه على شاشة بلا صوت، تُظهر خارطة الجنوب، ونقطة سوداء كُتب فوقها: “ديمونا”.
دخل أحد المستشارين ووقف لحظات بصمت، ثم تجرأ:
– “سيدي… قادة الجيش يقولون إن البيان الإيراني قد يكون للضغط فقط.”
– نتنياهو (بصوت كأنه خارج من قبر):
“ليس ما يخيفني ما قالوه… بل ما لم يقولوه.”
اقترب المستشار بحذر:
– “نستطيع أن ننقل جزءًا من العاملين، فقط كإجراء احتياطي…”
– نتنياهو لم يرد، بل همس كمن يسترجع صورة قديمة:
“في كيبوتس “كفار عتسيون”، ظنّوا أن التحصينات كافية…
ثم دخل الفجر على جثثهم.”¹
رفع نظره، بوجه أبيض لا أثر فيه للغضب أو القرار:
– “المفاعل ليس حصنًا… بل قيد نووي… قيدٌ على رقبتنا جميعًا.”
***
النقب – قرب ديمونا – الساعة 6:15 مساءً
في إحدى النقاط العسكرية المؤدية إلى المفاعل، وقف جندي يُدعى يغال روبينشتاين، شاب في الثانية والعشرين، يحدّق في الأفق.
لم يكن هناك شيء… فقط ظلام يضرب العيون كالملح.
اقترب منه ضابطٌ بزيّ رسمي، وقال بلهجة متوترة:
– “سمعتُ أن والدك عمل هنا في الثمانينات؟”
– يغال دون أن يلتفت:
“نعم… كان يقول: ديمونا لا تخاف إلا من الصوت الذي لا يُسمع.”
– “وماذا قصد بذلك؟”
– “الإشعاع… والندم.”
صمت.
ثم سأل الضابط، وهو يحاول أن يبدو طبيعيًا:
– “هل تشعر بالخوف الليلة؟”
– ردّ الجندي:
“الخوف؟ لا، سيدي…
أنا أشعر كأننا نعيش في لغم،
وكل ما نفعله هو أن نُقنع أنفسنا أن أحدًا لن يضغط الزر.”
***
القدس – الساعة 7:10 مساءً
وقف إيتمار بن غفير داخل غرفة محصنة تحت الارض ، يُحدّق في جدار الغرفة الكئيب
لم يكن يتكلم بل يستمع لمساعده يقرأ بيان الحرس الثوري الإيراني بصوت مرتعش.
فجأة، قطع بن غفير الصمت:
– “هل تعرف ما الشيء الوحيد الذي لا يُخيفني؟”
– “ما هو، سيدي؟”
– “أن أموت…
لكن ما يُرعبني فعلًا… هو أن أموت دون أن أستطيع الكذب على نفسي.”
– “سيدي… يمكننا أن نُصدر بيانًا نُطمئن فيه الناس.”
– “الناس؟ الناس يهربون، أيها الغبي!
إنهم يغادرون البيوت، يطفئون الأضواء،
ويكتبون الوصايا على هواتفهم.”
ثم أدار وجهه نحو شاشة صغيرة على الحائط…
تُظهر صورة جوية للمفاعل محاطًا بدوائر حمراء:
– “هذا ليس مركز أبحاث…
إنه الشيطان الذي زرعناه في بطن الأرض…
والآن يريد الخروج.”
***
حيفا – منزل عائلة قديمة – الساعة 8:00 مساءً
داخل غرفة صغيرة، كانت امرأة مسنّة تُدعى راحيل مزراحي تُحدّق في راديو خشبي قديم.
صوت خافت يتردد:
“…الاحتلال يُجلي موظفين بشكل محدود من منطقة النقب تحسّبًا…”
بجانبها حفيدتها نوعا، ذات الخمسة عشر عامًا، كانت تبكي بصمت.
– “جدتي… هل سيحدث شيء لمكان اسمه دي… دي…؟”
– ردّت العجوز بهمس:
“ديمونا؟ لا أحد يعرف، حبيبتي… لكنّي أعرف هذا الشعور.
لقد عشناه يوم كان القطار الأخير من بودابست لا يحمل إلا الدم.”
– “لكن هذه إسرائيل، نحن أقوياء… أليس كذلك؟”
أجابت العجوز، ويداها ترتجفان:
– “نعم، نحن أقوياء…
لكن الأقوياء أيضًا يخافون…
خصوصًا حين يكون القبر مصنوعًا من الفولاذ والرماد.”
انتهى . . .
الهوامش والإشارات المعرفية:
¹ كيبوتس كفار عتسيون: مجموعة مستوطنات يهودية سقطت في يد القوات العربية عام 1948 بعد حصار طويل، وقُتل فيها العشرات من المستوطنين، ويُعد الحدث مأساويًا في الوعي الجماعي الإسرائيلي، ويُستخدم هنا للتذكير بأن “التحصين لا يمنع النهاية”.
² مفاعل ديمونا: منشأة نووية إسرائيلية سرية في صحراء النقب، تُعد محورًا لبرنامج إسرائيل النووي، وبقيت لعقود خارج التفتيش الدولي،
Share this content:
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.