
مراد راجح شلي: ( يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة السادسة ) إنها الليلة السادسة يا يافا لم تعودي ساحة معركة خاسرة بل ميناء هروب .
( يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة السادسة )
إنها الليلة السادسة يا يافا
لم تعودي ساحة معركة خاسرة
بل ميناء هروب .
( الفرار المرعب ) الحلقة السادسة
– الأربعاء 18 يونيو 2025م، الثالثة عصرًا،
حيفا، أسدود، نتانيا، هرتزليا…
الموانئ الإسرائيلية التي كانت واجهة للسياحة والرخاء،
تحولت إلى أوكار هروب سرية.
صحيفة “هآرتس” كشفت:
آلاف الإسرائيليين يهربون عبر البحر.
باليخوت، بلا تصاريح، وبأسعار مرعبة.
***
– نتانيا – موقف سيارات خلف مارينا مغلقة – الساعة 3:52 عصرًا
توقفت سيارة “تويوتا” مظللة النوافذ.
ترجل منها رجل في الخمسين، أنيق، متوتر، يدعى دان شتيرن.
أخرج من الصندوق حقيبة واحدة فقط،
ثم اتجه إلى قارب صغير ينتظره على بعد 300 متر .. يمشي اليه بخطوات متعثرة وبقدمين مرتعشتين ..
اقتربت منه امرأة تُدعى نوعاما كوهن، كانت ترتدي معطف بحر وتحمل طفلًا.
– قالت بصوت شبه هامس:
“أنت أيضًا؟ لم أتخيلك ممن يهربون…”
– رد وهو لا يلتفت:
“لم أهرب… فقط رفضت أن أموت تحت سقفٍ انهار من الداخل.”
لحظة صمت.
ثم تقدمت نحوه، وقالت بصوت مكسور:
“الطبيب قال إن ابني مصاب بذعر ما بعد القصف. لم ينطق منذ ثلاثة أيام.”
“ربما في قبرص… ينسى الصوت.”
– دان بصوت بارد:
“الصوت لا يُنسى… لكنه يصمت عندما نغادر المكان الذي صنعه.”
***
– عرض البحر – يخت متوسط – الساعة 4:45 عصرًا
كان الجو هادئًا نسبيًا.
ستة أشخاص على متن يختٍ رمادي اللون.
امرأة تغلق هاتفها بعد مكالمة مقتضبة، وتقول:
“وزارة السياحة قالت لي بالحرف: لا تعودي قريبًا. الطريق من شرم الشيخ إلى أوروبا مفتوح… لكن العودة مغلقة.”
كان يجلس على مقعد ملاحي شاب يُدعى إيرز تامير،
يحمل جنسية مزدوجة،
نظر إلى البحر وقال بصوت متهكم:
“أتعلمين من أكثر من هرب الليلة؟
من يملك جوازًا آخر… وجبنًا مزمنًا لا يُشهر في التلفاز.”
ضحكت إحداهن، ثم سكتت فجأة حين اهتز القارب.
نظر الجميع نحو الأفق…
لكن لم يكن هناك شيء.
***
– القدس الغربية – حي “بيسغات زئيف” – الساعة 5:30 مساءً
في شقة شبه مظلمة، جلس نير إلياهو، باحث شاب في الدراسات التلمودية،
يقرأ نصًا قديمًا في كتاب “أسرار الهاجادة”:
“حين تهرب السفينة من الميناء،
تصعد ليليث من قاع البحر،
لتُدوّن أسماء من اختاروا البحر بدل التوبة.”
أغلق الكتاب بسرعة، واتصل بصديقه في وزارة النقل: – “هل صحيح أن قوارب اليوم غير مسجلة؟” ردّ الصوت: – “منذ ثلاثة أيام، لم نعد نُحصي… نُسهّل الطريق فقط.”
تمتم نير:
“نحن لا نُقاتل اليوم… نحن نهرب.”
ثم عاد يقرأ:
“كل من هرب من أرض المعركة دون إذن السماء،
يركب سفينة تكتب على سطحها اسم ليليث.”²
***
– قبرص – رصيف “ليماسول” البحري – الساعة 6:55 مساءً
وقف مسؤول الهجرة القبرصي، يراقب سجل الوصول.
خمسة يخوت جديدة وصلت خلال ساعتين فقط.
عائلات، حقائب صغيرة، قلق لا يشبه السياحة.
اقترب منه رجل يُدعى جوي عازار، وهو صاحب شركة تأجير يخوت،
وقال مبتسمًا بمرارة:
“هذا ليس موسم سياحة يا سيدي… إنه موسم الهاربين.”
أجابه الموظف:
“لكن لا أحد يعترف بذلك. كلهم يقولون: نعود قريبًا.”
– جوي:
“لن يعودوا… لأن من ركب البحر خائفًا،
لا يُعيده البرّ إلا جثة، أو ذاكرة ممزقة.”
***
تل أبيب – غرفة الطوارئ – الساعة 8:11 مساءً
وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير” وقف كصنم.
لا يتحدث، فقط يراقب خريطة إلكترونية…
تُظهر خروج موجات بشرية نحو الموانئ.
همس أحد مستشاريه:
– سيدي… بدأنا نخسر المدينة، لا الحرب فقط.
– بن غفير (بصوت ميت) :
– من يهرب الليلة… لن يعود غدًا.
البحر لا يُعيد من باعه خوفًا.”
بدت ملامح وجه بن غفير كمن شاهد شبحا بعينين جاحظتين بعد ادراكه معنى فرار الالاف نفسيا على الوعي الجمعي الاسرائيلي .
فجأة .. يدخل مساعده صارخا : سيدي موجة صواريخ جديدة إيرانية قادمة ..
ليسقط بن غفير كما تسقط اليوم يافا ومثيلاتها …
انتهى . . .
الهوامش والإشارات المعرفية:
¹ 1- مصدر الخبر الرئيس: صحيفة هآرتس – تقرير عن رحلات هروب سرية لإسرائيليين عبر البحر إلى قبرص.
² 2-ليليث – رمز الغرق الروحي
في الأسطورة اليهودية، ليليث هي كائن بحري وروحي متمرّد، تُلاحق الهاربين من قدرهم، خصوصًا من يتركون “أرض المعركة” دون إذن أو تضحية. تُجسد فكرة الذنب والخوف المقموع، وتُستخدم رمزيًا في هذه الحلقة كظلٍ يُطارد السفن الهاربة ويحوّل البحر إلى محكمة ضمير.
Share this content:
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.