
مراد راجح شلي: (يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة الخامسة)
(يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة الخامسة)
انها ليلتنا الخامسة يا يافا
ولا زلنا نترقبه فهل ازفا
( يافا المدمرة وخطة البدلاء العشرة )
يافا لم تعد كما كانت، فقد تبدّل وجهها تحت وابل الصواريخ الإيرانية. شوارعها خلت من الحياة، وتحولت أبنيتها إلى أطلال تحكي وجع السقوط. بدا الدمار كعقاب إلهي طال مدينة أشعلت نار الحرب في غزة، فكان الرد سماويًا لا يُرد. الدخان يعانق السماء، كأن الأرض لفظت ظلمها إلى العلى. في هذا الخراب، تجلّت عدالة السماء حين نطق الدمار: “من يزرع النار، لا يحصد إلا الرماد.”
في الليلة الخامسة، بدت يافا كجسدٍ أنهكته النيران ولم يمت، بل قرر أن يصرخ من أعماقه.
“البدلاء ظهروا… والقادة الإسرائيليون تراجعوا في الظل”
***
الساعة الرابعة عصر يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025 .اجتاحت صواريخ من بطش وانتقام ايراني أحياء بكاملها في يافا.
انهارت عمارة الأمن الداخلي، واحترق مقرّ شرطة المدينة، وعُلّقت اللافتات فوق الركام كأنها شواهد على جُرحٍ لا يندمل.
***
– تل أبيب – الطابق تحت الأرضي لهيئة الأركان – الساعة 7:42 مساءً الثلاثاء نفسه
في غرفة خافتة الضوء، وقف الجنرال هرتسي هاليفي متصلب الوجه، يراقب خريطة تُظهر بقعًا حمراء تزداد توهجًا كل دقيقة فوق الساحل.
لم يقل شيئًا، فقط أشار إلى الشاشة، ليقرأ بصوت مبحوح أحد الضباط:
– “عاجل من وكالة فارس: إيران تُعلن تفعيل خطة البدلاء العشرة لتأمين القيادة العليا في حال حدوث اغتيالات.”
لمعت عينا هاليفي كأن صدمة كهربائية اخترقت صدره، وهمس:
– “هذا يعني أن كل من نستهدفه… لديه عشرة أرواح؟!”
إلى جانبه، كانت تقف الجنرال تال روسو¹، العائدة مؤخرًا من التقاعد، لتقود خطط الطوارئ في الجبهة الداخلية.
قالت بنبرة خافتة:
– “هذه ليست خطة طوارئ… هذه استراتيجية ما بعد القيامة.”
نظر إليها، ثم أدار وجهه إلى الشاشة مجددًا، وقال:
– “كنا نُراهن على الفراغ إن سقطوا… لكن يبدو أن الفراغ ينتظرنا نحن.”
***
– يافا – قرب الميناء القديم – الساعة 8:10 مساءً
رجل مغطى بالغبار يمشي بين الحطام.
كان يهمس: “ضربونا ونحن نعدّ ضربتهم… سبقونا في المعركة، وأحرقوا الورقة قبل أن نلمسها.”
في خلفية المشهد ، يظهر حطام مدرسة وأمامها طفل ينظر للكاميرا ويبتسم.
المشهد يُبث على التلفزيون الإيراني الذي عاود البث بعد انقطاعٍ دام دقائق، رغم استهداف مقرها الاحتياطي قبل يومين.
***
– تل أبيب – الغرفة المحصنة – الساعة 8:30مساءً
تلقى هاليفي رسالة مشفّرة من جهاز الاستخبارات العسكري “أمان”، مفادها:
“لا ثغرات في السلسلة القيادية الإيرانية… وتم تنشيط ثلاث غرف قيادة بديلة.”
سقط الكوب من يده، فاهتزّ صدى الزجاج في الغرفة كأنّه صفعة.
قالت تال روسو وهي تنظر في تقارير الدفاع الجوي:
– “إذا صمد هذا النموذج الإيراني، فحتى أمريكا لن تستطيع مجاراتهم.”
لم يرد. كان ينظر في الفراغ، ويرى كل نظرياته تنهار مع كل انفجار في يافا.
ثم تمتم:
– “البدلاء العشرة؟ نحن لم نجد بديلاً واحدًا للفشل.”
***
في ركن الغرفة، كانت شاشة صغيرة تعرض إعادة بث لهجوم سابق على مركز إعلامي إيراني، يظهر فيه المذيع الإيراني وهو ينفض الغبار عن الميكروفون ويقول:
“إن مات الصوت منا… فلدينا عشرة أصوات تحيا.”
التفتت روسو وقالت:
– “حتى الإعلام عندهم جزء من الخطة… كم بديلًا نملك نحن لصوت واحد لم يصدّقنا؟”
ثم جاء التقرير الأخير من يافا:
“انهيار منظومة مراقبة الاتصالات في القطاع 6، مع اختفاء 23 ضابطًا ميدانيًا.”
ارتجف الجنرال هاليفي أخيرًا، وقال بصوت خافت:
– “الرد لم يعد مجديًا… لقد دخلنا مرحلة ما بعد الفقد.”
انها ليلة طويلة للغاية ويافا ما تزال تحترق واحترق وتحترق
انتهى . . .
الهوامش والإشارات المعرفية:
¹ تال روسو (Tal Russo): جنرال احتياطي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، معروف بخبرته في العمليات الخاصة وقيادة “فرقة العمق”. عاد من التقاعد في أوقات الأزمات.
² هرتسي هاليفي (Herzi Halevi): رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تولى عدة مناصب في الاستخبارات العسكرية، ويُعتبر من رموز التوجه التقني والاستباقي في الجيش.
³ خطة “البدلاء العشرة”: مفهوم قيادي إيراني طُوّر لضمان استمرار القيادة والسيطرة خلال الأزمات والاغتيالات، يقوم على وجود عشرة بدلاء مدرّبين ومؤهّلين لكل منصب قيادي في الدولة، بمن فيهم قادة الحرس الثوري والمراكز السيادية، لضمان الصمود أمام أي انهيار مفاجئ.
Share this content:
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.