
التزييف العميق بوساطة الذكاء الاصطناعي وأثره في المسؤولية الجزائية
أخذت حالات التزييف العميق بوساطة الذكاء الاصطناعي بالانتشار في الآونة الاخيرة وخلفت آثار خطيرة على الصعيد الفردي للأشخاص او المجتمع وتجلى أثرها البالغ في المساس بحياة المشاهير او الاساءة لسمعة الأخرين لأجندة معينة.
وعُرَّفَ التزييف العميق بأنه:- ((تزوير رقمي أو إنشاء محتوى مرئي وصوتي مع امكانية عالية للخداع، واستبدال شخص ما، في صورة أو مقطع فيديو حالي يشبه شخص آخر)). وتعتمد أساليب التعليم الآلي الرئيسية المستخدمة لإنشاء التزييف العميق على التعلم العميق والتي تتضمن تدريب بنيات الشبكات العصبية التوليدية، مثل أجهزة الترميز الآلي أو شبكات الخصومة التوليدية(GANS). ([1])
تتعدد انواع التزييف العميق وفقاً لأغراضها ، وتتطور وفقاً للتكنولوجيا التي تكبر يوماً بعد يوم ولكن من اهم الانواع ما يأتي([2])
1- التزييف السطحي (Shallow Fake)
يعرف التزييف السطحي أو التزييف الرخيص(cheap fake) بانه المحتوى الذي يتكون من المحاكاة الساخرة أو الهيجاء او الفيديو الذي تم تحويره وتحريره لحذف أو تغيير ترتيب الكلمات. وفي هذا النوع من التزييف لا يستخدم من يقوم بعملية التزييف أي تقنية للذكاء الاصطناعي لتزييف الفيديوهات والصور مثل الشبكات المولدة للصور مثلا([3]) بل يعتمد على ادوات بسيطة لغرض التشويه أو قلب الحقائق.
2- التزييف العميق (Deep Fake)
وتعرف على أنها الفبركة العميقة أو التزييف العميق وهي التقنية التي يتم من خلالها تصنيع الوسائط المتعددة المختلفة سواء أكانت فيديوهات أو أصوات او صور مزّيفة من خلال استخدام برامج الحاسوب المبرمجة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتقوم هذه التقنية بدمج عدد من الصور ومقاطع الفيديو شخصيّةٍ مَا أو معالجة المحتوى الحالي وانتاج مقطع فيديو جديد قد يبدو حقيقة لكنّه في واقع الأمر مُزيّف ويتم استخدام تقنية التعلم الآلي من تقنيات الذكاء الاصطناعي لغرض إنتاجه واستعملت هذه التقنية في العديد من المجالات منها إنشاء مقاطع فيديو إباحيّة مزيّفة لعدد من المشاهير أو خلق اخبار كاذبة ومحاولة خداع القراء والانتقام الإباحي منهم وتعد هذه السلوكيات التقنية من الأساليب السهلة والبسيطة للتعديل. على الفيديوهات او تركيبها مما يجعلها خطيرة وتفتح باب الإساءة سمعة الأخرين او الترويج لأجندة معينة أو لغرض الاحتيال (المالي للتشهير بالأهداف أو انتحال الهوية او ابتزاز المسؤولين المنتخبين والكثير من الجرائم الالكترونية التي يمكن أن تخلقها هذه التقنية تسعى لبلوغها.
وتستخدم هذه التقنية لإنتاج فيديو او التعديل على محتواه بشكل كامل يستعرض شيئاً لم يكن موجوداً فيه بالأصل وتعود تسمية هذه التقنية إلى موقع التواصل الاجتماعي (ريديت Reddit ) حيث كان هناك حساباً على الموقع يحمل اسم (Deep fakes) واستخدم هذا الحساب تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق من أجل العبث بوجوه النجوم والمشاهير وإدخال وجوههم في فيديوهات لا علاقة لهم فيها، وتجمع تسمية هذه التقنية بين تقنيات التعلم العميق والتزييف.
الجدير بالإشارة إن أثبات التزييف العميق أمر لا يخلو من صعوبة في كثير من الأحيان ، لما تتطلبه جهة الكشف عن الحقيقة من خبرة ومهارة فائقة في مجال الموبايل والكمبيوتر وانشطة الانترنت، كما تتطلب مهارة ومقدرة وخبرة في التحقيق الجنائي العملي لذلك ونرى بضرورة اعتماد القاضي على مبدأ الخبرة التقنية العلمية كأداة لفحص الأدلة الرقمية، خاصة في ظل ازدياد استخدام الذكاء الاصطناعي في فبركة الفيديوهات التي تُستخدم والإساءة في البيئة الرقمية الحديثة ، مما يزيد تعقيد قضايا التشهير الإلكتروني، وخصوصاً عندما تتقاطع مع الحياة العامة والمركز الوظيفي أو السياسي للضحية، وفي هذا السياق قرار للمحكمة الإدارية العليا جـاء فيه… (لم تأخذ المحكمة بنظر الاعتبار إنكار المعترضة للتهمة التي أسندت إليها عند تدوين أقوالها في التحقيق الإداري ودفعها بأن مقطع الفيلم مفبرك واحتجت في إنكار صلتها بالفيلم بأن لديها علامات مميزة في جسمها وبينت للجنة التحقيقية مواضعها وأن تلك العلامات غير موجودة في المرأة التي ظهرت في الفيلم لكن اللجنة التحقيقية اهملت التحقق من أن المعترضة قدمت إلى محكمة قضاء الموظفين في حكم . محكمة رأس الخيمة الابتدائية الدائرة الجزائية يتضمن الحكم على المتهم (أ.ف.ح) حكم بالحبس عن ثلاث تهم مع الحكم بالتعويض والابعاد عن الإمـارة لعلاقته بنشر مقطع الفيديو موضوع العقوبة الانضباطي على موقعه في مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك عن طريق هاتفه النقال بقصد مواجهة ترشيح المعترضة للعمل في مجلس النواب والتشهير بها كما قدمت المعترضة الى المحكمة تقرير فحص مختبري لفريق أمريكي متطوع من صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا وقد أثبت هذا التقرير بعد إجراء فحص على مقطع الفيلم بتقنيات علمية متطورة جداً بأنه مزيف وذكر التقرير بأنه تم انشاء هذا الفيلم استخدام نوع من برامج الذكاء الصناعي (سوفتوير) مشابهة لبرامج التزييف العميقة ونسبة التزييف (٩٦%) وكان التقرير مكون من اربع صفحات ومسبب تسبيب علمياً دقيقا تناول صورة المرأة التي ظهرت في الفلم مقطع وبيان دلائل الفبركة فيه بالتأشير والدلالة. ([4])
الملاحظ ان المادة (433) من قانون العقوبات العراقي رقم (111 السنة 1969) المعدل وبالتحديد في الفقرة (1) منها جاء فيها (… وإذا وقع القذف بطريق النشر في الصحف أو المطبوعات أو بأحد طرق الإعلام الأخرى…)) ومن اهم عناصر القذف هي العلانية والتي تضمنت وسائل منها الى الوسائل الآلية (… أو إذا نقلت إليه بطريقة من الطرق الآلية)) ومن صور التعبير الآلية هي :- (الكتابة الالكترونية) التي عرفتها الفقرة (خامساً) من المادة (1) من قانون التوقيع الالكتروني والمعاملات الالكترونية العراقي رقم (78) لسنة(2012) إذ جاء فيها:- (( الكتابة الالكترونية كل حرف أو رقم أو رمز أو اية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للأدراك والفهم)) ومن ثم يمكن عدّ التزييف العميق من الوسائل الرقمية الحديثة ومن ثم يمكن مساءلة مرتكبه من الناحية الجزائية عند ثبوت الفعل المنسوب إليه عن طريق الخبرة الفنية الدقيقة.
خلاصة القول إن التزييف العميق يعد من الجرائم المستحدثة والتي افرزتها الثورة التقنية والمعلوماتي ولا بد من البحث الجاد للتصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها معالجة قانونية شاملة وصحيحة.
الهوامش
( [1] ) د. علي مولود فاضل ، م. سيف عدنان عباس ، التزييف العميق لغة الذكاء الاصطناعي في حروب السيبران الإعلامية، ط1،دار امجد للنشر والتوزيع، المملكة الأردنية الهاشمية، 2021، ص23-24 ، والمصادر التي أشار اليها.
( [3] ) نايله الصلبي ، هل تعرفون الفرق بين (deep fake) و (shallow fake) و (cheap fake) مقال منشور على الرابط: https://mc.d.co/1rwu
( [4] ) قرار المحكمة الإدارية العليا (العدد (1556)/ قضاء موظفين تميز/2019 قي 25/11/2019 منشور في قرارات مجلس الدول وفتاواه لعام 2019 ، مطبعة الوقف الحديثة ، بغداد / 2019 ص455-458

القاضي عواد حسين ياسين العبيدي/ نائب رئيس محكمة استئناف كركوك
. . .
Share this content: