
الــمسؤولية الجزائية للموظف العام عن جرائم النشر الالكتروني
انتشرت في الفترات الاخيرة ظاهرة استخدام منصات التواصل “فيس بوك- أكس- انستغرام وغيرها” بوصفها سبيلاً للتعبير عن الرأي من قبل الافراد نظراً لكونها احدى الحريات التي كفلها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بموجب المادة (38) منه، والتي اكدت على كفالة الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة على جملة من الامور ومنها حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر، والموظف العام والمكلف بخدمة عامة هو احد مستخدمي وسائل التواصل المشار اليها اعلاه الا ان الواقع العملي افرز لنا حالات اساء الموظف العام فيها استخدامه لتلك الحرية التي كفلها الدستور بطريقة مضره بالمؤسسات التي ينتمي اليها، اذ تلك المنصات سبيلاً لأرتكاب جرائم “السـب والقـذف والتشـهير والابتزاز وافشاء اسرار مؤسسات الدولة ودوائرها”، فـي حيـن يعمـد آخـرون استخدامها بطريقة مسيئة للآداب العامـة، بـل إن بعـض تلك المواقـع اضحت طريقاً لزعزعة الامن والترويج للأفكار الارهابية، فقد رصُدت العديد من حالات التشهير والتهجم على المؤسسات الرسمية، ، واثارةً للفتن الطائفية والقائمين بذلك قد يكون البعض منهم من موظفي القطاع العام اثناء الدوام الرسمي وخارجه.
الامر الذي يؤدي الى طرح تساؤلات هامة بهذا الصدد ولعل اهما المقصود بالنشر الالكتروني؟ وما صور السلوك الصادرة من الموظف العام التي تشكل جريمة؟ ومدى كفاية التنظيم القانوني في التشريع العراقي لإقرار مسؤولية الموظف العام عن جرائم النشر الالكتروني؟
وبالعودة الى مشروع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية العراقي لسنة 2019 نجده يعرف النشر الالكتروني في المادة الاولى منه، الفقرة اولا، بأنها” كل فعل يرتكب باستخدام الحاسب الالي او شبكة المعلومات او غير ذلك من وسائل تقنية المعلومات المعاقب عليها وفق احكام القانون”, ثم تطرق المشروع في الفقرة خامسا من المادة الاولى, الى تعريف المحرر او المنشور الالكتروني بأنه ” كل رسالة تتضمن معلومات تنشأ او تدمج او تخزن او ترسل او تستقبل كلياً او جزئياً بوسيلة الكترونية او رقمية او ضوئية او أي وسيلة اخرى مشابه “, ثم اشار في الفقرة الثامنة عشر، من ذات المادة الى البيانات الحكومية التي يشكل افشاؤها عبر تلك الوسائل جريمة معاقب عليها بأنها “بيانات ومعلومات السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والهيئات المستقلة”. ثم اوضح المشروع في الفصل الثاني منه الذي جاء تحت عنوان الجرائم والعقوبات وفي المادة الخامسة/الفقرة رابعا الى تشديد العقوبة في حال ارتكاب الجريمة من موظف او مكلف بخدمة عامة، مما يعني ان صفة الموظف اعتبرت ظرفا مشددا للعقوبة انعكاسا من اهمية الوظيفة العامة واحتراما لسرية المعلومات التي يطلع عليها الموظف اثناء عمله.
اما عن صور الجرائم التي تقع ممن يتصف بصفة الموظف العام عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة فيمكن تصنيفها الى جرائم ماسة بأمن الدولة والنظام العام وجرائم افشاء السر الوظيفي وجرائم ماسة بالأفراد كالسب والقذف وانتهاك الحق بالخصوصية وغيرها.
اما بشأن مسؤولية الموظف عن جرائم النشر الالكتروني فأن الموظف المخالف لقواعد السلوك الوظيفي يكون عرضه للمسؤولية الانضباطية والجنائية والمدنية ان كان لها مقتضى اذا كان الفعل الصادر منه يشكل جريمة خلفت اضراراً بحسب القوانين النافذة.
وبشأن المسؤولية الانضباطية وبالعودة لقانون انضباط موظفي الدولة نجده لم ينص على حظر النشر الالكتروني صراحة الا انه فرض على الموظف جملة من الواجبات الايجابية والسلبية ومنها حظر افشاء اسرار الوظيفة بأي طريقة من طرق النشر كما في نص المادة (5) البند (الرابع عشر) من قانون انضباط موظفي الدولة رقم (14) لسنة 1991 المعدل العراقي التي قضت بمنع الموظف بالإفضاء بأي تصريح او بيان عن اعمال دائرته لوسائل الاعلام والنشر فيما له مساس مباشر بأعمال وظيفته، ما لم يكن مصرحاً له بذلك من رئيسه المباشر”، ويقابل هذا النص الفقرة (8) من لائحة قواعد السلوك الوظيفي الخاصة بموظفي الدولة ومنتسبي القطاع المختلط” حيث نصت الفقرة (8) من اللائحة على “التزام الموظف بالحفاظ على سرية المعلومات والوثائق الرسمية التي بحوزته او التي يطلع عليها بحكم وظيفته وعدم استخدامها خلاف للقانون”، كما اوجب نص البند (ثامنا) من المادة (4) من القانون سابق الذكر بالمحافظة على كرامة الوظيفة العامة عن كل ما من شأنه المساس بالاحترام اللازم لها سواء كان ذلك اثناء الوظيفة او خارج اوقات الدوام الرسمي فخروج الموظف بأفعاله على مقتضى واجباته الوظيفية و اتيانه بفعل او تصرف يمس كرامة الوظيفة يوجب مسائلته انضباطياً( بفرض احدى العقوبات الانظباطية الواردة في نص المادة 8 من القانون)،اذ جاء النص مطلق بحظر أي فعل او تصرف يمس بكرامة الوظيفة ابان وقت الدوام ام خارجه بوسائل تقليدية ام الكترونية.
اما بالنسبة للمسولية الجزائية فتترتب على الموظف بحسب الفعل الصادر منه وحسب المادة القانونية الحاكمة للفعل في قانون العقوبات العراقي بسبب عدم تشريع قانون الجرائم المعلوماتية لغاية الان،ومن التطبيقات القضائية بهذا الصدد القرار الصادر من محكمة جنح قضايا النشر والاعلام المرقم(48/نشر/جنح/2017) والذي جاء في حيثياته: ” بتاريخ 2/4/2016 قام المتهم (م) وهو موظف عام بنشر صور تعود الى المشتكي على موقع التواصل الاجتماعي الخاص بالموظف (فيسبوك) مع مذكرة قبض صادرة بحق الاخير، ووجد ان هذا الامر قد اساء الى سمعة المشتكي وحيث ان المتهم انكر التهمة الموجهة اليه مدعياً ان موقع (الفيسبوك) لا يعود اليه وانه لا يمت اليه بصلة ولدى استعانة المحكمة بالخبير الفني تبين صحة ادعاء المشتكي واصدرت المحكمة قرارها بحبس المتهم وفق المادة 433 عقوبات.
ونرى اخيرا ان التعبير عن الرأي احدى الحريات المكفولة دستورياً الا ان ممارسة تلك الحريات ليست مطلقة بل مقيدة ببعض القيود الجنائية والادارية، اذ يجب الموازنة بين حرية الموظف في التعبير والنشر وبين مصلحة الدولة العليا المتمثلة بالحفاظ على الاسرار الوظيفية مثلاً والتي يترتب على مخالفتها المسؤولية الجنائية والانضباطية للقائم بها.وبهذا الصدد دعوة المشرع العراقي الى الاسراع بتشريع قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية مع الحرص على صياغته بطريقة لا تصادر الحريات الشخصية مصادرة مطلقة او تقييد الحق بالتعبير عن الرأي، او التمتع بحرية الطباعة والاعلان والاعلام والنشر المكفولة بالدستور، مع الزام الموظف العام بتعهدات سنوية وحسب لوائح السلوك الوظيفي تمنع تداول الوثائق الخاصة بالوظيفة على مواقع التواصل ونشرها لغير المعنيين بها.
د. زينب عبد الكاظم حسن

Share this content: