
سالم حواس الساعدي: الامام علي عليه السلام وسيغموند فرويد
الامام علي عليه السلام وسيغموند فرويد :
والعلاقة بين أفكار سيغموند فرويد ونظريات الإمام عليه السلام في نهج البلاغة ، مع تحليل جوانب تقسيم النفس، خطايا اللسان، وفلتاته، وعلاقة ذلك بمفاهيم فرويد النفسية والتحليلية، واستنساخ فرويد لعلوم النفس من كلمات وخطب وحكم ورسائل الإمام علي (عليه السلام) ”
مدعومًا بمقايسة علمية وتأملية:
ابحاث متفرقة من رسالتنا في تحليل المحتوى لنهج البلاغة
شهد علم النفس الحديث تطورًا جذريًا مع ظهور سيغموند فرويد، مؤسس مدرسة التحليل النفسي، الذي قدم مفاهيم ثورية عن اللاوعي، تقسيم النفس، الرغبات المكبوتة، وفلتات اللسان. إلا أن هذه المفاهيم التي اعتبرت اختراقًا في الغرب، نجد لها أصولًا فكرية وروحية في كلمات الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة، حيث عالج الإمام أعماق النفس البشرية، ووصفها وصفًا دقيقًا، وكشف ميكانيكياتها الداخلية بدقة تفوق التوصيف العلمي الحديث في أحيان كثيرة.
أولاً: تقسيم النفس في فكر الإمام علي وفرويد
فرويد:
قسّم النفس البشرية إلى ثلاث طبقات:
1. الهو (Id): مركز الرغبات الغريزية.
2. الأنا (Ego): الجزء الواعي الذي يتعامل مع الواقع.
3. الأنا الأعلى (Superego): الضمير والأخلاق والمعايير المجتمعية.
الإمام علي عليه السلام:
قال في نهج البلاغة:
“إن النفس لأمّارة بالسوء، إلا من رحم ربي، فإنها إن تُطع تُوردك موارد الهلكة، وإن تُعص تُسلم.”
نجد هنا نفس التقسيم النفسي:
• النفس الأمارة = الهو.
• ضبط النفس = الأنا.
• الخوف من الله والضمير الحي = الأنا الأعلى.
او تقسيمه للنفس باللوامه ، والعافلة والمطمئنة ، وهي تقسيمات قرآنية عطيمة في موارد عدة
الإمام يسبق فرويد في توصيف الصراع الداخلي بين الرغبة، والعقل، والضمير، لكنه يربطها بالله والتقوى، لا بالمجتمع فقط.
ثانيًا: فلتات اللسان بين التحليل النفسي وبلاغة الإمام
فرويد:
يرى أن “فلتات اللسان” (Lapsus Linguae) هي انكشاف اللاوعي دون قصد، وأن كل زلة لسان تدل على رغبة أو صراع داخلي.
الإمام علي يقول :
“ما أضمر أحد شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه.”
الإمام هنا لا يسبق فرويد فقط، بل يضيف بعدًا سلوكيًا وتعبيريًا مرئيًا (صفحات الوجه)، وهو ما يُعرف اليوم بـ”لغة الجسد”، وكأن عليًّا عليه السلام كان يُدرك أن النفس تظهر على الوجه، وتُفضح من اللسان والجوارح.
ثالثًا: الخطايا النفسية والاجتماعية واللسانية
• حيث قال الإمام علي:
“اللسان سبع إن خُلي عنه عُقِر.”
أي أن اللسان أداة هدم للنفس والمجتمع إذا لم يُضبط.
• وهذا يتقاطع مع فرويد، الذي يرى أن القمع أو الانفلات اللفظي يكشف البنية النفسية للشخص.
في كلا الرؤيتين، الكلمة هي وسيلة الكشف عن أعماق النفس، وهي أيضًا وسيلة التدمير أو التهذيب.
رابعًا: البعد القانوني والاجتماعي:
قانونيًا:
• السلوك الظاهر (كالكلام) له دلالات قانونية وأخلاقية.
• في المحاكم الحديثة، تُستخدم فلتات اللسان وتناقض الأقوال كمؤشرات على النية والذنب، وهذا ما سبق إليه الإمام بقوله:
“تكلموا تُعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه.”
اجتماعيًا:
• نظرية فرويد تفسر الصراعات النفسية بأنها تنعكس على الفرد والمجتمع.
• الإمام علي ركّز على أن إصلاح النفس هو أساس إصلاح المجتمع، فقال:
“من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته.”
وهنا نلاحظ أن فرويد ركز على التشخيص والمعالجة النفسية ، بينما الإمام علي ركّز على التربية والوقاية الروحية والسلوكية.
وهنا تكمن الفلسفة العظيمة للامام عليه السلام.
خامسًا: البعد البحثي والمعرفي:
من الناحية البحثية، نجد أن:
• فرويد يستخدم منهج {التحليل النفسي الفردي} المرتبط بالحوادث الشخصية.
• الإمام علي يستخدم منهج الخطاب العام الشامل للنفس البشرية ككائن روحي، عقلي، اجتماعي، أخلاقي.
أن الإمام علي أعطى النفس مفهومًا تكوينيًا مرتبطًا بالمصير الإلهي، بينما اقتصر فرويد على الحياة الدنيوية.
الخلاصة او المستخلص والخاتمة:
قد يكون فرويد قرأ الفلسفات الاسلامية والشرقية ومنها نهج البلاغة كما ورد في بعض ترجماته وقد لا يكون قد قرأ نهج البلاغة، لكن لا يمكن تجاهل التشابه الكبير بين تحليلاته ومفاهيم الإمام علي في نهج البلاغة .
وهذا يُرجّح أن الفكر الإنساني الصادق والعميق يلتقي من منابع مختلفة.
وما سُمّي بـ”اكتشاف” عند فرويد، يمكن أن يُعد في الفكر الإسلامي “إلهامًا ربانيًا ومعرفة ربانية” عند الإمام علي عليه السلام .
ففي زمن ضياع المعايير، نحن بحاجة اليوم إلى قراءة نهج البلاغة بجمالياته وتجلياته ليس فقط ككتاب مواعظ، وحكم ، ورسائل ، ووصايا ، وعهود ، بل كمرجع نفسي، اجتماعي، تربوي، قانوني يفوق كثيرًا ما أنتجه الغرب في بعض جوانبه.

Share this content: