
مراد راجح شلي: يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة الأولى
يافا ترتعد – السلسلة الثانية – الليلة الأولى
لقد عادت ليالي ترقب الموت يا يافا ! !
ما شكل الموت القادم من السماء ! !
انها لعنة إيليا القديمة ! !
– الساعة الثامنة وخمسين دقيقة مساء ليلة امس الـ13 من يونيو 2025م .
كانت يافا المدينة المحتلة ترتعش كأنها غريقة تحبس أنفاسها.
السماء الرمادية تنوء بغمام غريب، ساكن كثيف، كأن المدينة العتيقة المعلقة على شاطئ المتوسط تسمع شيئًا قادمًا من وراء الأفق ولا تجرؤ أن تُخبِر أحدًا.
ضوء القمر بدا شاحبًا وكأنه مغطى بطبقة رصاصية، لا هو نور، ولا هو ظلام… بل نذير.
الهواء مشحون بالكهرباء، بحر يافا لا يهدأ، كل موجة ترتطم بالصخور كأنها صفعة على وجه مدينة تنتظر قدرها
– التاسعة مساءاً تماماً انطلقت صواريخ الرد الايرانية لتحيل المدينة والكيان لشكل آخر من الرعب المميت .
– الحادية عشر مساءاً ضوء خافت يتسلل من مصابيح الطوارئ في غرفة محصنة تحت الارض بمقر عسكري سري .
لكن هذه الليلة ليست كأي ليلة.
ليست مناورة. ليست إنذارًا كاذبًا. ليست “قبة حديدية” صالحة.
الجنرال “إيال لامير ” رئيس الاركان الاسرائيلي ينهض فجأة من على كرسيه الجلدي الثقيل، صوته داخليًا يلهج:
“لقد خُدعنا جميعًا… لقد ابتلعنا طعم ثقتنا المفرطة حتى نهايته…”
يتفقد شاشات الرادار المعطّلة واحدة تلو الأخرى، بينما تتساقط إشارات الانفجارات في محيط مطار بن غوريون ومواقع عسكرية حساسة على الساحل ووسط المدينة.
إلى جواره، يجلس “بنيامين نتنياهو”، رئيس الوزراء العائد من حفرة الداخل السياسي المجزأ، مقصوص الجناحين، وقد استعاد مقعده لكن لا شيء مما كان فيه من سطوة بقي الليلة.
عرقه يتصبب رغم برودة الغرفة بفعل المكيفات ، وعيناه مسمرتان على خريطة إلكترونية تُظهر توسع نطاق الضربات بصمت مريب.
قال بصوت متهدج:
– “لقد فعلوها… هذه ليست ضربة… هذه لعنة يا لامير. لعنة من كتبنا القديمة.”
هزّ الجنرال رأسه، صوته أكثر جمادًا من الفولاذ:
– “بل هو النمر، وقد خرج من سُباته، لا ليزأر… بل ليعضّ. ومن قبله… كانت نبوءة براك تَصْدُق.”
ثم أضاف: “هل تتذكر قصة المدفونة التي حذّر منها إيليا؟ تلك التي قالت إن يافا أول من ترتعد، وإن المطر القادم من الشرق سيكون أسود؟” *¹
يصمت الاثنان، بينما تومض الشاشة بجملة حمراء:
“فشل تام في اعتراض الدفعة الثانية. عدد الأهداف المصابة: 17”
***
في الضاحية القُدسية لرمات غان،
في ملجأ بيت شبه مظلم، تجلس “يائيل لابيد”، الأرملة العجوز لحاخام يهودي شهير مات في ظروف غامضة قبل خمسة أعوام.
تتأمل سقف القبو الاسود بعينين مرتعشتين، في يدها كتاب مذهّب من التلمود البابلي، مفتوح على صفحة مشؤومة.
تهذي وهي تحدق في السطر الثالث عشر، تقرأه بصوت متقطع:
– “وإذا ما انشقَّت الأرض، وخرج الدخان من باب الشرق، فاعلم أن السِبط العاشر عاد من التيه، وأن دم الخوف سال من خاصرة يافا.” *²
تبكي، وتضم الكتاب إلى صدرها، كمن يحتضن الموت قبل أن يقع.
تُخرج ورقة صفراء قديمة، مكتوبة بخط عبري مرعوش، تقرأ فيها:
– “عوديد، الرائي من موآب، تنبأ بزوال الهيكل الثالث بعد نباح كلاب فارس على أبواب الساحل الغربي…” *³
ثم تهمس:
– “لا أحد يريد تذكّر السِبط العاشر… ولا لعنة الشجرة اليابسة في جبل الكرمل… لكنهم الآن سيذكرون.”
***
في مقر عسكري سري يختبأ “يسرائيل كاتس ” وزير الدفاع الاسرائيلي
صوته أجشّ، يكاد لا يُسمع وهو يأمر بتقرير عاجل من وحدة الاستخبارات العسكرية.
يدخل الضابط الشاب، شاحب الوجه، يحمل بيده وثيقة حرارية، يقول:
– “سيدي… كانت صواريخ شهاب-3 معدّلة، لكن بها شيفرة مضافة تشير إلى اسم ’آزادي‘… الحرية، بالفارسية.”
كاتس يصعق، يحدق به ثم يصفع الطاولة بقبضته:
– “اللعنة! هذه ليست ضربة رمزية… هذا ليس استعراضاً… هذه يد قم، توقظ نبوءة لم نقرأها جيدًا.”
يتلعثم الضابط، قبل أن يضيف:
– “وقد تبين أن ثلاثًا من الصواريخ كانت تحمل توقيعًا رقميًا داخليًا باسم: فجر زَرْدُشت.”
يرتجف كاتس ويضحك فجأة، في نوبة هستيرية:
– “يافا ترتعد يا سادة! إنها ترتعد كما رُسم لها في كابوس آرييل شارون قبل موته!” *⁴
– “لقد حلم بالشرق… والدم… ووجه فارسي لا يرحم.”
يقاطعه صوت مساعده وهو يدلف من الباب صارخاً : لقد انطلقت موجة الصواريخ الايرانية الثالثة …
انتهى . . .
هوامش وإشارات معرفية
– نبوءة إيليا والنبوءات الشرقية (إشارة ¹):
مستوحاة من التراث اليهودي المرتبط بالنبي إيليا، الذي يُقال في بعض التفاسير أنه يظهر قبل “يوم الغضب الإلهي”، ويأتي من الشرق. في نصوص المدراش والتلمود ثمة إشارات عن مجيء الإنذار من “باب الشمس” أي المشرق.
– الرقم 13 في التقاليد اليهودية (إشارة ²):
الرقم 13 يُعتبر رمزًا للكسر والخطيئة لدى بعض مدارس الفكر اليهودية. يربط المفسرون بينه وبين التمرد الأول في البرية. هذا الاعتقاد تجذر أيضًا في طقوس رمزية وبعض نُسخ الزوهار.
– عوديد الرائي (إشارة ³):
ورد ذكره في “سفر أخبار الأيام الثاني – الإصحاح 28″، كشخصية تنبؤية قدمت إنذارًا لملك يهوذا. هنا أُعيد توظيفه أدبيًا ليعبر عن دور نبي منسي حذر من زوال الهيكل.
– كابوس آرييل شارون (إشارة ⁴):
نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عام 2013 عن مقربين من شارون، في فترة غيبوبته، ما قيل إنه “هذيانات متكررة” عن “الشرق” و”سقوط الأبراج في تل أبيب”، وتم توظيف ذلك في هذه السلسلة كإيحاء نذيري.
Share this content:
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.