×

كتبوا في ذكرى عزالدين سليم

اخر الاخبار والمواضيع

كتبوا في ذكرى عزالدين سليم

راحلاًَ إلى رحاب الله……. وعلى جناحيه دم الجنوب العراقي المدمى….. و على لسانه ترانيم الدعوة لرسالة السماء …….. وفي قلبه أريج الولاء لأهل بيت الرسالة…. وبين جوا نحه….. حب غامر للعراق وأهله…….. نما واستطا ل طوا ل سنين غربته عنه وعنهم…… وحين عاد إليه عازما على المساهمة في مسح غبار سنوات البعث العجاف ……. وساعيا بكل عزيمته وإيمانه….. و شوقه وولائه ….. وحنينه الجارف إلى النخل والماء ……إلى إضاءة زوايا العراق التي سوّدها القتلة و الساقطون وحثالة البشر……… و جاداً بكل ما وهبه الله من نعم الفكر واللباقة و الحس الإنساني المرهف…. في محاولة إنهاض العراق من همجية طوامير زمرة السفلة الرعاع ورئيسهم الهمجي المتخلف ……. ومن وهدة مقابرهم الجماعية …إلى حيث يستحق العراق وأهله من مكان مشرف تحت شمس الحياة الكريمة….. وفي رحاب عالم جديد لا مكان فيه إلا للحرية والكرامة….. والخبز المعجون بعرق الجهد الطاهر المبارك……

حين عاد طائر الجنوب الذي هاجر إلى الضفة الأخرى ……..إلى مرابعه …..إلى أرض طفولته وصباه…. إلى مدارج أفكاره الأولى …..وبصماته الأولى….. وحروفه الأولى….. كانت بانتظاره تلك الوحوش الآدمية التي طردته من وطنه محكوما عليه بالإعدام………لتعيد تنفيذ حكمها القديم….. بسلاح جديد…… أكثر بطشاً… و أشد فتكاً… وهو يعلم أنهم بانتظاره ….. ولكن للموت على أرض  الوطن…. وفي سبيل العقيدة و الحلم الأجمل….. رائحة جنان الخلد ……. وطعم اللقاء مع الأهداف السامية ……ولذة الانتصار المبارك على عصبة القتل والاغتيال والتصفيات…!!

  مجاهد آخر من الرعيل الأول يصعد مدارج الشهادة ……. ليعانق صحبه الأبرار الذي سبقوه إلى هناك ….. حيث النعيم الدائم الذي أعده الله لخاصة أوليائه….. وليكونوا هم في استقبا ه……

الشهيد الصابر البطل عبد الصاحب دخيّل (أبو عصام) ….. الذي وقف ببطولة نادرة ليقول لجلاديه من العصابة البعثية المتخلفة والهمجية …….! : “هنا “مشيرا إلى صدره العامر بالإيمان وحب أهل البيت “….. هنا أسرار الحركة الإسلامية…… وأتحداكم أن تنتزعوا منها حرفا واحد…..!” فكان قبره حوض التيزاب…!!

وشيخ الشهداء ….. الشيخ عارف البصري…… الذي ساومه الجلادون على دينه لدنياهم فشمخ مستعليا بالله ….. قائلاً…….. ” لقد تعلقت بأستار الكعبة ودعوت الله أن يرزقني الشهادة….. وها هي تقترب مني… ولن أتخلى عنها” ……!!

وسيد شهداء العراق والعالم الإسلامي في العصر الحديث …… المفكر الإسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر……. الذي وقف طوداً شامخاً في وجه القاتل زعيم القتلة “صدام” وعصابته البعثية الحاقدة……… فاضحاً زيف شعاراتهم……… وأكذوبة مبادئهم….. وسفالة سلوكهم…….. قائلاً بلسان جده الحسين (ع) “لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل…. ولا أقر إقرار العبيد”….

وليعانق شهدينا البار عشرات لا بل مئات الآلاف من إخوانه الشهداء…… على ذات الدرب ولذات الأهداف النبيلة…….. ليعانقهم قبل معانقة الحور العين….!!! وحين يُسأل عن قاتليه ……سيقول لهم بكل ثقة واطمئنان ……..إنه القاتل نفسه……الذي قتل العراق وأهله……. قتل المراجع والعلماء من آل الحكيم وغيرهم……… وقتل المرجع الكبير الشهيد محمد الصدر وولديه رضوان الله عليهم أجمعين….. وإنها الأيادي الآثمة ذاتها إنها العصابة التي ولغت   في دماء العراقيين أربعين عاماً…. بكل همجيتها ووحشتها وحقدها المزمن على كل ما يمت إلى الإسلام وأهل البيت بصلة….! إنها العصابة نفسها …… ولا تخدعنكم الأسماء والعناوين والألقاب والأقنعة!! لقد قتلوا مئات الآلاف في طواميرهم وزنازينهم ……. وزرعوا أرض العراق بالمقابر الجماعية لأجساد الطاهرين من خيرة أبناء وبنات العراق وشيوخه وأطفاله …!!! وأما من افلت من قبضة حقدهم حين كانوا يعيثون فسادا في العراق أرضا وبشرا ومقدسات….. فها هم الآن……… يلاحقون الأبرار بغدرهم وخستهم وسعارهم……… بالأمس كان السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه ……. واليوم الأستاذ عز الدين سليم…… وغدا لا ندري من سيكون التالي…… !!! والقاتل واحد …… وطريقة القتل واحدة…. والشعارات الخادعة ذاتها..!!

وماذا بعد…….؟! وكيف الخلاص…… من دوامة القتل وأنهار الدم و الدموع …..؟! ليس من سبيل إلا الوعي والإدراك السليم لما يحاك للعراق أرضا وشعبا …….. ليس من سبيل إلا تجاوز الذاتية والأنانية …….. ليس من سبيل إلا  محا لة تنظيف العراق من قذارة وعفونة أربعين عاما ملوثة بالبعث الحاقد وبصدام الهمجي القاتل وبعصابته المسعورة…….. ليس من سبيل إلا إخراج العراق إلى نور الحياة …….. ونسيم الحرية والعيش الآمن الكريم……. بعيدا ً عن كل الشعارات البراقة المجبولة بالخداع والخيانة ……….. وعن كل الهتافات التي قتلتنا بها سكاكين الحقد الطائفي ….. والعروبة الزائفة………! ووقف جميع العرب والمسلمين حكاما وشعوبا…….. يتفرجون على مجازر أبنائنا …… وضياع ثرواتنا … وتشريد أجيالنا على خارطة الدنيا…… ووقف جميع العرب والمسلمين –حكاما وشعوبا- وهم يصفقون لقاتلنا الهمجي المتخلف وهو يشتري ضمائرهم ….. وأخلاقهم وعروبتهم و دينهم….. بنفطنا الذي أودعه الله في أرضنا… ضمانة لمستقبل أجيالنا…….. كانوا يتفرجون ….و يرقصون على جراحنا….. ويصفقون بإعجاب …… فقد كان القتل عربيا بامتياز!! وكان الذبح للآلاف من أبنائنا شرعيا….. وعلى الطريقة الإسلامية…!!  ويكفي ذلك مبرراً أن يسكت الجميع أثناء فترة  حكمه ……… وأن يحزنوا لسقوطه … وان يثأروا له…… ومنا أيضا……. ومن خيرة رجالنا الأبرار………..! ولكن سيخيب مقصدهم فـ :”الله ولي الذي آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور” وسيرد الله كيد الظالمين إلى نحورهم….. فالأرض التي أتخمت دما وقتلا وجثثا…… لا بد أن تزهر فيها سنابل العدل والحرية و الكرامة…..! وهي تستصرخ الجميع…….أن كفى….. واتقوا الله في أبنائنا ودمائنا…… ومستقبل أطفالنا وأن كفى……. كفى شعارات براقة زائفة ومغامرات غير محسوبة العواقب….. ودعوا نسائم الحرية تهب على أرضنا الطاهرة… ولتزهر براعم الإيمان والكرامة من جديد….. وليذق شعبنا المظلوم…. طعم الراحة والأمان و الاستقرار والعيش الكريم على أرضه الطيبة “وما ذلك على الله ببعيد”………” ولله الأمر من قبل ومن بعد”.

الكاتب :مصطفى المهاجر

 

ظهيرة يوم بارد من ايام كانون الاول عام 1981 وفي بناية المركز الاسلامي للدراسات السياسية بطهران كان لقائي الاول بعزالدين سليم (1943-2004) (الحاج ابو ياسين )،بطلاقة وجه وسماحة بصرية معهودة استقبلني بعد ان قدمني عمي اليه :هذا ابن اخي وصل للتو من العراق وقد افلت من بين اشداق الموت ،كان عمي قد ذكر لي انه سيعرفني على اهم شخصية من شخصيات خط البصرة – الفرع المنشق عن حزب الدعوة الاسلامية بعد مؤتمر الاهواز (1981) الذي عقده الحزب ، وأسفر عن اختيار قيادة للدعوة لم يكن من بين نجومها رجل الحزب الاول محمد هادي السبيتي المقيم في الاردن ،يومها تم حسم الخلافات بطريقة الالزام الشرعي وفتوى فقيه الحزب ،فادى ذلك الى خروج كوادر وازنة لها ثقلها الحزبي والمعنوي برئاسة ابي ياسين والشيخ علي الكوراني ،مالبث الكوراني ان انسحب لاحقا ليقاد التنظيم المنشق عبر جماعة كان ابو ياسين ألمعهم وابرزهم .
من يومها كُتب للدعوة تاريخ جديد ،وصار ممكنا الحديث بالمصطلحات السياسية الحديثة عن جناح (يساري ) لم يقبل دخول المؤتمر ولا بنتائجه التي ادت الى تهميش السبيتي وهيمنة مجموعة من رجال الدين على قيادة الدعوة تُصنف ضمن الاتجاهات الدينية المحافظة ،وانها جاءت لتلغي تأثيرات السبيتي تدريجيا بعد ان اتهم من قبل الاخرين بأنه اقل شيعية واكثر تأثرا بالفكر التحريري والاخواني ،كما انه لم يكن يخفي نقده لبعض الزعامات والشخصيات الدينية .
تعرض السبيتي لنقد (هامس )من بعض الذين كانوا يشاركونه القيادة الجماعية ليس لعدم كفائته وسعة افقه وعمق قراءته للاحداث ،بل لخطابه الاسلامي غير التقليدي الصادر من عقل غير حوزوي ،ترتب على هذا الانشقاق ان المنشقين صاروا معروفين بخط السبيتي أو خط البصرة لغلبة كوادر الدعوة البصريين عليه .
منذ ذلك التاريخ والدعوة تعيش تاثيرات هذا الانقسام فكريا وسياسيا رغم تلاشي فروع الدعوة وضعف تيارها العام .
في الكاظمية وعلى اضواء الشموع مساء يوم 22-7-2003 التقيت بابي ياسين في فندق البراق بعد سقوط النظام البعثي ،كان عائدا للتو من اجتماع لمجلس الحكم جديد التأسيس ،وفي سهرة مطولة مليئة باسئلة الشجن والقلق ،واصل ابو ياسين البوح بمخاوفه على مصير بلده المنكوب ،ابدى خشية بالغة من السياسة الامريكية ومن اطروحات بعض زملائه في مجلس الحكم ، وجدته حاد الذكاء وقاد الذهن كأنه يواصل مسيرة السبيتي ويذكرني بقراءة (يسارية) لمألات الامور ،تخوف من الطائفية ،ومن العنف المجتمعي ومن سوء الاداء وعدم القدرة على تقدير المخاطر ،ابدى خشية من بعض التوجهات الراديكالية التي بدأت تتمظهر ،كان يقول ان الحطام الذي تركه نظام صدام يحتاج الى روية واعتدالا في المعالجات ،وجدته يستحضر ثورة العشرين ونتائجها السياسية ليعيد تذكيرنا بان دروس تلك الايام ينبغي ان تكون حاضرة ،فلايجوز تضييع الفرصة لبناء حياة سياسية جديدة تعيد الى التعددية العراقية صورتها التاريخية .
خاض ابو ياسين خلال عامه الذي قضاه بعد عودته الى العراق ، معركة غير مكتملة في عالم العراق المضطرب ،كان عليه ان يقنع جمهورا ضائعا تائها بأن مسيرة بناء الدولة وترميم جراحات الوطن لن تتم بين عشية وضحاها ،فقد كان مدركا لصعوبات المهمة وواقعيا في فهمه لانماط الرجال الذين عاصرهم وصاروا يتنافسون على مواقع السلطة في العراق الجديد ،لسان حاله كان يقول ان ليل العراق سيطول في ظل سذاجة سياسية ومراهقة كانت تحرق المراحل ،تتعجل قطف الثمار دون ان تكتنز وعيا بمخاطر المرحلة .
ربما لايسجل سم ابو ياسين في سجل رجال السياسة اللامعين في العراق لقصر فترة ممارسته السياسة من موقع السلطة ،غير انه بقي وفيا لسمت شخصيته المتواضعة واعتدال فكره مع مسحة (اليسارية) التي تغلف افكاره وسلوكه السياسي ،تحسن الاشارة الى انه كان يفكر بالفقر بوصفه افة الافات التي ستحرق الاجتماع العراقي ،كتب عن الفقر في نهاية السبيعنات حينما كان نزيل الكويت مطاردا ومهاجرا ،ثم عايش فقر العراقيين في مخيمات ايران ومدنها العتيقة قبل انتفاضة عام 1991 وبعدها ،ثم كانت صور الحرمان والقمع والحصارات تؤرق حياة العراقيين وتدفع بهم نحو تيارات دينية وسياسية كان الكثير منها يستبطن نزعة الثورة والتمرد والتطرف ،لهذا كان (الحجي ) يقرأ الواقع بخلفية اجتماعية ودراية بالموروث السياسي العراقي ذي النزعة الثائرة ،لكن مامن احد من زملائه الاسلاميين كان يفكر مثله ويأخذ تنبؤاته وتوقعاته وحدسه قيد التفكير الجاد ،ربما كان لتنشئته الترابية وسعة قراءاته التاريخية وذوقه الاجتماعي عميق الاثر في تشكيل نمط تفكيره ،فماهو معروف عنه انه كان يفكر خارج (الصندوق )في كثير من الاحيان وهذه تحسب له ، فهو لم يقع في اسر القوالب الحزبية وانماطها الجامدة ،انه ابن الواقع العراقي ذي النزعة الوطنية والتدين الشعبي والانفعال السياسي ،فرغم اسلاميته وتدينه لكنه لكنه رفض الانصياع للاجواء الفكرية والسياسية التي تشكلت في ايران بعد الانتصار ، كانت الحزبية الاسلامية المهاجرة موضع تشكيك مالم تدخل في نطاق الولاية (واذرعها ونطاقاتها )التي مثلتها شخصية قائد الثورة الاسلامية السيد الخميني الراحل .
جادلته يوما في عام 1987 عن امكانية قبول الاحزاب الاسلامية العراقية بممثل للامام الخميني ينجيها من لغط التشكيك والنبذ والمضايقات ،رفض بشدة كأنه كان يقرأ مضاعفات ذلك على صورة العراقي المهاجر حينما تحاصره (المديونية السياسية )كما يسميها زميلنا الكاتب علي المدن ،قد يكون ابو ياسين قد قرأ المستقبل بعيون (الوطنية العراقية) التي تشتد الحاجة والدعوة اليها هذه الايام ،مادفع زميلنا الاخر رفيق رحلة الكتابة والمعاناة جواد علي كسار ليفرد لها كتابا مقارنا بين الوطنية العراقية وبين تجربتين اسلاميتين معاصرتين هما تجربة ايران وتركيا .
للانصاف والتاريخ فقد كان ابو ياسين يتحدث عن الوطن الاسلامي بالمفهوم الديني وليس بمفهوم الفكر السياسي الحديث ،غير ان الواقعية السياسية وضرورات التجديد والتطوير للفكر السياسي الاسلامي حتمت مقاربات جريئة مبكرة تأخذ خصوصية البلدان وهويتها السياسية وتعريفها القانوني اخذا لالبس فيه ،فأن تكون اسلاميا لايمنع ان تكون وطنيا بمعنى تقديم مصالح وطنك مثلما لايجد الاخرون غضا ة في ذلك دون ان يقدح باسلاميتهم .
طار خبر مقتل رئيس مجلس الحكم العراقي عزالدين سليم في الاجواء يوم 17-5 2004 ،كان قتله المدروس قتلا للحلم العراقي ، فعلاوة على شمائله وشخصيته الدافئة المحببة الى الناس ،فانه كان يحمل مشروع التسامح الذي افتقده العراق في مواجهة تعصب شامل ديني وقومي ومذهبي وحزبي ومناطقي بدد كل مابناه العراقيون ، كان هذا (الرئيس )ساعيا بجد الى عراق خال من التشوه المتراكم الذي كرسته نخبة سياسية لم تقرأ تجارب التاريخين العراقيين ،القديم والحديث . تسامح عزالدين سليم تكويني معرفي ثقافي ،جسد تاريخ البصرة المكتنز بالافكار الانسانية والتراث الابداعي والشخصية السياسية السلسة الخالية من العقد والتمركز على الذات ،للمكان دخل في سياسات السلطة كما يقول الفرنسي بول كلافال ،انتفع العراق والعالم من البصرة معرفيا واقتصاديا لكنه لم يجرب اخلاقيات وحكمة البصرة السياسية (حكمة اخوان الصفا وخلان الوفا ) ماخلا سبعة عشر يوما ترأس فيها ابو ياسين مجلس الحكم .
ابراهيم العبادي

 

Share this content:

عراقي عربي مسلم متعلم في سبيل النجاة مهتم بالشان السياسي والقانوني مستشار قانوني ادارة موقع الشبكة من اجل ثقافة قانونية والخبر الصحيح ادارة عراق المودة لاستضافة المواقع

ربما تكون قد فاتتك