
مصرع مواطنَين وإعلان الحداد في حلبجة بعد تمدد النيران إلى ست قرى
تشهد محافظة حلبجة منذ مساء الأحد 17 آب 2025 كارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة، بعدما اندلع حريق هائل في المناطق الجبلية والزراعية، التهمَ آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية والمسطحات الخضراء، وخلّف خسائر بشرية ومادية فادحة.
وبينما تواصل فرق الدفاع المدني والجهات الحكومية جهودها المضنية للسيطرة على النيران، تتصاعد المخاوف من اتساع رقعة الحريق نحو مناطق أشد خطورة جغرافياً وأمنياً.

بداية الحريق وتفاقم الأوضاع
بحسب تصريحات المتحدث باسم الدفاع المدني في حلبجة، زانيار عمر، فإن الحريق اندلع منذ ثلاثة أيام في مناطق جبلية وعرة، وكانت الفرق قريبة من السيطرة عليه، إلا أن الرياح العاتية وسوء الأحوال الجوية تسببتا في تجدد النيران وعودة الوضع إلى نقطة الصفر.
وأوضح عمر، أن الدفاع المدني نجح في تطويق الحريق من عدة جهات، لكن جزءاً من النيران بقي مشتعلاً، ما أدى إلى مصرع أحد عناصر الدفاع المدني أثناء مشاركته في الإخماد، وهو ما ضاعف من صعوبة الموقف مع توسع النيران إلى مساحات أوسع.
خسائر بشرية وتدخل عاجل
الحريق لم يقتصر على الخسائر المادية فحسب، بل حصد أرواح مواطنَين اثنين، بينهم منتسب في شرطة الغابات والبيئة ومتطوع محلي، بينما أصيب آخرون بحروق متفاوتة.
وأكدت مصادر محلية، أن فرق الإطفاء تمكنت من منع النيران من التوسع في بعض المناطق، لكنها لم تتمكن من السيطرة الكاملة عليها، ما استدعى نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة ونقل جثة المتوفى إلى دائرة الطب العدلي.
إعلان الحداد العام
أمام حجم الكارثة والخسائر البشرية، أعلنت محافظة حلبجة الحداد العام لمدة يومين، اعتباراً من يوم الاثنين 18 آب 2025، وذلك احتراماً لأرواح الضحايا ومواساةً لعائلاتهم.
وقالت المحافِظة نوخشة ناصح في بيان رسمي: “بقلوب يعتصرها الحزن شهدت مناطق چنار وموردين ونيجلة فاجعة مأساوية أودت بحياة اثنين من أبناء المحافظة الأبرار الذين ضحَّوا بحياتهم دفاعاً عن البيئة والأرض. نُخلّد أسماءهم كـ (شهداء بيئة حلبجة وكوردستان)”.
وأوضحت، إن العلم الكردي نُكّس إلى نصف السارية فوق جميع الدوائر الرسمية، كما تقرر إيقاف جميع الاحتفالات والمناسبات ذات الطابع الاحتفالي تضامناً مع أسر الضحايا.
امتداد النيران إلى القرى
الحريق بدأ في ثلاث قرى بعد ظهر الأحد، لكنه سرعان ما امتد إلى ست قرى أخرى في منطقة “كوكوي” الجبلية. وتشير التقديرات إلى أن النيران باتت تهدد بالوصول إلى جبل شنروي الاستراتيجي وقرى الكاكائيين المجاورة.
مدير الدفاع المدني في حلبجة، العميد عابدين عبد الرحمن، حذّر من أن وصول النيران إلى جبل شنروي سيجعل السيطرة على الحريق شبه مستحيلة، بسبب ارتفاع الجبل ووعورته واحتوائه على ألغام ومتفجرات قديمة تعود لحرب الثماني سنوات بين العراق وإيران.
دعم حكومي وإقليمي
في ظل تفاقم الأزمة، أعلن وزير داخلية إقليم كوردستان ريبر أحمد، بتوجيه من رئيس الوزراء مسرور بارزاني، عن استعداد وزارته لتقديم الدعم الكامل لحلبجة. وقد أجرى الوزير اتصالات هاتفية بمحافظ حلبجة ومديرية الدفاع المدني لمتابعة آخر المستجدات.
وأكد أحمد، أن جميع مؤسسات الحكومة على أهبة الاستعداد، وتم توجيه فرق الوزارة لاتخاذ إجراءات عاجلة للسيطرة على الحريق وتقليل الأضرار الناجمة عنه.
كما وصلت بالفعل فرق إطفاء من أربيل والسليمانية، فيما أرسلت مناطق أخرى مثل شقلاوة وبنچوين متطوعين ومعدات مساندة.
مأساة إنسانية وأبطال ميدانيون
من بين الضحايا الذين سقطوا أثناء مواجهة الحريق، برز اسم الشهيد محمد الشيخ حيدر، أحد منتسبي شرطة الغابات والبيئة في حلبجة، الذي ارتقى خلال عمليات الإخماد.
بيان شرطة الغابات أوضح أن عشرات العناصر والشاحنات والمعدات نُشرت منذ اليوم الأول للحريق، إلا أن الرياح القوية وسرعة انتشار اللهب جعلت جهودهم أكثر تعقيداً.
وأشاد البيان بتضحيات المتطوعين والسكان المحليين الذين خاطروا بحياتهم إلى جانب رجال الإطفاء.
- التحديات الميدانية
تؤكد الجهات الرسمية أن أبرز التحديات التي تواجه عمليات الإخماد تتمثل في:
· الطقس المتقلب: الرياح القوية تزيد من انتشار النيران وتجددها.
· وعورة التضاريس: الطبيعة الجبلية الوعرة تُعيق وصول الآليات الثقيلة وفرق الإطفاء.
· مخاطر الألغام: وجود مخلفات الحرب على سفوح جبل شنروي يمثل خطراً إضافياً يُعقّد من التدخل المباشر.
· امتداد المساحات المحترقة: اتساع رقعة الحريق إلى ست قرى جعل السيطرة الكاملة على الوضع أكثر صعوبة.
مشاهد التضامن والحداد
داخل المحافظة، عمّت أجواء الحزن، حيث شارك المواطنون في تشييع الضحايا الذين وُصفوا بـ “شهداء البيئة”، وأُطلق على الضحيتين رسمياً هذا اللقب تقديراً لتضحياتهما.
كما شهدت الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية التزاماً بقرار تنكيس العلم الكردي وإلغاء جميع الفعاليات الاحتفالية والأنشطة العامة.
حرائق حلبجة الأخيرة لم تكن مجرد حادث عرضي، بل تحولت إلى كارثة بيئية وإنسانية تهدد حياة السكان المحليين، وتكشف حجم المخاطر التي تواجهها المناطق الجبلية في كوردستان، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية المتسارعة.
ورغم الدعم الحكومي وتدخل فرق الإطفاء من عدة محافظات، فإن حجم النيران واتساعها يطرح تساؤلات جادة حول جاهزية البنى التحتية لمواجهة مثل هذه الكوارث، وأهمية وضع خطط وقائية واستراتيجية لإدارة الأزمات البيئية في الإقليم.
Share this content: