
الموقف القانوني والدولي لاعتراض العراق على تصريحات السفير البريطاني واعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية
الموقف القانوني والدولي لاعتراض العراق على تصريحات السفير البريطاني واعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية
أولاً: الإطار القانوني الدولي
وفق القانون الدولي العام، فإن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول هو قاعدة أساسية راسخة، أقرّتها:
• المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنع أي دولة أو ممثل عنها من التدخل في المسائل التي تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي لدولة أخرى.
• اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وخصوصاً:
• المادة 41/1: “على جميع الأشخاص المتمتعين بالمزايا والحصانات احترام قوانين وأنظمة الدولة المعتمدين لديها. وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة.”
ثانياً: دور السفير وحدود عمله
السفير هو ممثل دبلوماسي لدولته، مهمته الرسمية:
• تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية.
• نقل رسائل دولته إلى حكومة الدولة المضيفة عبر القنوات الرسمية.
• جمع المعلومات المشروعة وتحليلها دون التدخل المباشر في القرارات والسياسات الداخلية.
لكن، إذا أدلى السفير بتصريحات تتضمن تقييمات أو انتقادات أو توصيات علنية بشأن سياسات داخلية للدولة المضيفة، فقد يُعد ذلك:
• تجاوزاً لصلاحياته.
• إخلالاً بواجب الحياد المنصوص عليه في المادة 41 من اتفاقية فيينا.
ثالثاً: حق الدولة المضيفة في الرد
القانون الدولي يمنح الدولة المضيفة مجموعة من الخيارات القانونية إذا رأت أن السفير تجاوز حدوده:
1. الاعتراض الدبلوماسي الرسمي (كما فعلت وزارة الخارجية العراقية).
2. استدعاء السفير وإبلاغه بالاحتجاج (protest note).
3. إصدار بيان علني يوضح موقف الدولة من التصريحات.
4. إعلان السفير شخصاً غير مرغوب فيه (persona non grata) بموجب المادة 9 من اتفاقية فيينا، وهو الإجراء الأشد، وينتج عنه مغادرة السفير للبلد.
رابعاً: الممارسات الدولية المشابهة
• روسيا طردت عدة سفراء غربيين بعد تصريحات اعتبرتها تحريضية بشأن سياساتها الداخلية.
• تركيا استدعت سفراء دول أوروبية عام 2021 لاحتجاجهم العلني على قضية حقوقية داخلية.
• مصر وجّهت مذكرات احتجاج لسفراء أجانب بسبب تصريحات تتعلق بقضايا سياسية داخلية.
خامساً: التحليل القانوني لموقف العراق
• من الناحية القانونية، إذا تضمنت تصريحات السفير البريطاني انتقاداً أو توجيهاً علنياً للحكومة العراقية بشأن سياسات داخلية (مثل الانتخابات، القضاء، الأمن، أو التشريعات المحلية)، فإنها تخالف المادة 41 من اتفاقية فيينا.
• من الناحية الدبلوماسية، موقف وزارة الخارجية العراقية سليم من حيث الاحتجاج لأنه يهدف إلى:
• حماية السيادة الوطنية.
• ضبط حدود التمثيل الدبلوماسي.
• توجيه رسالة بأن العراق يتمسك بقاعدة عدم التدخل.
سادساً: البعد السياسي والدبلوماسي
الاعتراض لا يعني بالضرورة قطع العلاقات أو التصعيد الفوري، لكنه:
• إنذار مبكر للسفير للالتزام بالحدود الدبلوماسية.
• رسالة سياسية لبريطانيا وللرأي العام بأن العراق يرصد أي تجاوز.
• أداة للحفاظ على توازن العلاقات بين احترام السيادة والانفتاح الدبلوماسي.
الخلاصة:
موقف وزارة الخارجية العراقية له أساس قانوني صريح في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وفي مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. التصريحات العلنية التي تتناول الشأن الداخلي للدولة المضيفة يمكن أن تُعد مخالفة دولية، ويحق للعراق الرد عليها بالوسائل الدبلوماسية، وصولاً إلى اعتبار السفير شخصاً غير مرغوب فيه إذا تكررت أو تصاعدت.
سالم حواس الساعدي

مستشار قانوني واعلامي
Share this content: