
يسري الغول: الإعلام الغربي وتزييف الحقائق
فوجئت قبل فترة قصيرة أثناء استماعي صدفة للقاء مسجّل معي عبر إذاعة (NPR) الأميركية، وتحديداً مع الصحافي المعروف ستيف إنسبيك، أنه تمّ اقتطاع أجزاء كبيرة من اللقاء، وتغيير أسئلة الصحافي نفسه، لدرجة أن شعرت معها بالاشمئزاز من هذا التصرّف الذي يوضح مدى تجاهل الغرب لمظلوميّة الفلسطيني، ومحاولة دسّ السمّ بالعسل لجمهور المستمعين، كي لا يتعاطفوا مع القضية الفلسطينية التي باتت اليوم تشكّل ناظماً للمواقف الأخلاقية حول العالم، وستكون غداً وصمة عار على جبين الصامتين والمتواطئين.
فالإعلام كسلطة رابعة يؤدّي دوراً مركزياً في تشكيل وعي الجماهير وتوجيه الرأي العام، ولا سيما في الصراعات الدولية، وإنّ تغطية الإعلام الغربي لما يجري في قطاع غزة يمثّل انحيازاً صارخاً لصالح “دولة” الاحتلال، إذ تتجلّى في اللغة المستخدمة والمصطلحات الفضفاضة وانتقاء المصادر ثمّ تجاهل الضحايا الفلسطينيين وتغييب أصواتهم أيضاً، بل إنّ الإعلام الغربي يعمد إلى إخفاء الحقائق غالباً أو العمل على إعادة صياغتها بشكل وضيع لخدمة الاحتلال… وهو لا يسعى لتضليل الرأي العامّ فقط، بل وفق خطط مدروسة يسعى لتكريس وجود الاحتلال في المنطقة ومنحه شرعيّة ضمنيّة لجرائمه التي يرتكبها بحقّ الأطفال والنساء.
وإنّ محاولة هذه السلطة في تغيير أيّ حوار إعلامي أو اجتزاء كلام بعينه لأجل تشويه مصادرها من الفلسطينيين أو حتى العرب كما جرى معي قبل أسبوع، بل ومحاولة تضليل الرأي العام كما أسلفت، من أنّ “إسرائيل دولة حرية” و”جيشها الأكثر أخلاقية في العالم”، لكنّ المهمّ في الأمر، أنّ ذلك بات يصطدم بجيش من المناصرين لفلسطين، والذين للأسف لم يتمّ استثمارهم حتى اللحظة بشكل جيد، إلّا أنّ ذلك يشكّل محطة مهمة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أمام تجاهل المؤسسات الرسمية والإعلامية العربية للأسف، بالإضافة إلى صمت النخب والمؤسسات الصحية والثقافية عن المقتلة التي ما زالت تتعرّض لها جميع البنى التحتية في قطاع غزة، بما فيها المستشفيات والمراكز الطبية مما يوضح للعالم مدى انحطاط هذا الاحتلال، الذي لا يخجل فيه وزير المالية المتطرّف سموتريتش من إعلانه وتهديده بالاستقالة في حال لم يتمّ تصعيد القتال في قطاع غزة.
هذا الأمر يجعلنا بحاجة إلى استثمار كلّ التصريحات المتطرّفة لفضح ممارسات هذه “الدولة” العنصرية التي قامت على أرضٍ عربية، محاطة بدول عربية أخرى لكنها نائمة، خصوصاً أنّ الجهات الإعلامية العربية غارقة في أحضان الأنظمة المتواطئة أو المتخاذلة، بدلاً من أن يكون لها دور في تثوير الجماهير والدفع بهم للتظاهر في كلّ أصقاع المنطقة العربية، مما قد يسجّل لهؤلاء نقطة في صالحهم؛ لكن كالعادة يصطدم الفلسطيني بجدار الخذلان فيذهب للقتال بشراسة في ميدان النضال وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بلغات متعدّدة، لفضح ممارسات هذا الإجرام الإسرائيلي.
Share this content:
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.