×

عزيز الدفاعي: من يتحكم بعقولنا وقراراتنا؟

اخر الاخبار والمواضيع

عزيز الدفاعي

عزيز الدفاعي: من يتحكم بعقولنا وقراراتنا؟

مضى ستة وثلاثون عامًا على سقوط نظام الديكتاتور الشيوعي نيكولاي تشاوشيسكو في ديسمبر عام 1989، وقد كنت شاهدًا على تلك اللحظات، أعيش تفاصيلها لحظة بلحظة. وحتى اليوم، وبعد إعادة فتح ملف تلك الأحداث الدامية التي سبقت إعدام الرئيس الروماني وزوجته رميًا بالرصاص، لا يزال مصير 400 شخص قضوا ضحايا للثورة، وآلاف الجرحى، مجهولًا من قبل الادعاء العام الروماني، رغم مرور كل هذا الزمن.

لا أحد يعرف على وجه التحديد من أصدر الأوامر، أو من أطلق الرصاص على مواطنين عُزّل، رغم صدور أكثر من 150 كتابًا وبحثًا تناولت تلك الأيام العاصفة. ومع ذلك، ظلّت الحقيقة غامضة، ضبابية، ومحل شك دائم.

بعد سنوات، شهدنا مشهدًا آخر أشعل زلزالًا سياسيًا في العالم العربي، تمثّل في الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي كانت تضحيته بنفسه شرارة لما سُمّي بـ”الربيع العربي”، الذي انطلق من تونس ليصل إلى مصر، وليبيا، وسوريا، وغيرها. لقد تحمّس الملايين لسقوط الديكتاتوريات، ولكن ما خفي في المشهد كان أكبر: فبدلًا من بناء دول ديمقراطية عادلة، سقطت أنظمة، وانهارت مؤسسات، وظهر في المشهد تطرف ديني وصراع طائفي دمّر المنطقة، وحوّلها إلى خرائب وبحيرات دم.

كل هذا لم يكن وليد الصدفة، بل جاء في سياق مخططات قديمة، أبرزها الدراسة التي وضعها المستشار الإسرائيلي عوديد بينون في الثمانينيات بعنوان: “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، والتي ألهمت لاحقًا المشروع الأخطر الذي صاغه برنارد لويس حول “نهاية العالم العربي ككيان قومي”، وهو المشروع الذي تبنّاه المحافظون الجدد في واشنطن.

اليوم، مع كل حدث سياسي، ثمة من يتحكم بعقول الناس ومواقفهم، عبر آلة إعلامية ذكية تُدار في غرف مظلمة. تُستخدم فيها أدوات علم النفس والإقناع الجماهيري لتوجيه الرأي العام، خاصة مع تطور وسائل الاتصال، وبروز دور وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور معاهد متخصصة في عدد من دول أوروبا الشرقية – من بينها صربيا – لإعداد ما يُعرف بالنشطاء المدنيين، ومحرري المدونات، ومُعدّي المنشورات والأفلام على فيسبوك وتويتر، وقادة التظاهرات، ومهندسي الشعارات… وكل ذلك تحت إشراف أجهزة استخبارات دولية.

يتم تضخيم بعض القضايا وتحويلها إلى قضايا رأي عام عالمي لكسب التعاطف، بينما تُهمَل مآسٍ أعظم وأبشع، كما حدث في قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، التي نالت تغطية عالمية، في مقابل تجاهل شبه تام لمأساة شعب بأكمله يُباد في اليمن.

هكذا تُدار العقول، وتُغيَّب الوعي، وتُغسل الأدمغة، ويُحوَّل الإنسان إلى روبوت يُحرَّك عن بُعد نحو أهداف مرسومة مسبقًا. هناك من يجلس في الظلام، يرسم السيناريو، ويُحرّك جنوده في معركة خطرة لا تُستخدم فيها سوى الكيبورد، والكاميرا، ومحترفي الكذب وقلب الحقائق والتحريض!

وما يزيد الطين بلّة هو انتشار الجهل بين العامة، والذي يتحوّل إلى كارثة حين يُمنح صفة التقديس!

علينا ألّا ننجرف خلف أي شعار أو احتجاج أو اتهام قبل أن نفهم خلفياته وحقيقته. لا نكون أبواقًا لأطراف مجهولة، بعضها ساهم في قتلنا ذات يوم، ولا نكون الطابور الخامس نردد “كلنا فلان” دون أن نعرف من هو فلان، ومن يستخدمه، ولماذا!

ما جرى في العراق منذ خريف العام 2019، وما رافق التظاهرات من أحداث، والتي انتهت لصالح جهات خارجية معروفة، هو أكبر دليل على ضرورة الحذر. شباب بعمر الزهور دفعوا الثمن، بينما حصد الجائزة مدير مخابرات سابق وقادة التحريض.

فأين هي الحقيقة؟

علينا أن ننتبه قبل أن نبتلع الطُعم، الذي لا يختلف عن عبوة ناسفة زرعها الإرهاب، وله جناحان: سياسي وإعلامي.

تريّثوا، وانتظروا، ولا تتسرعوا في تبنّي أي موقف عاطفي تجاه ما يطفو على سطح الإعلام اليومي. لنعمل على تحصين عقولنا ضد فيروسات خطيرة تُقدَّم لنا في عسل الدموع واستغلال المشاعر.

وصدق الإمام علي (ع):

“كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَب، وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَب.

Share this content:

عراقي عربي مسلم متعلم في سبيل النجاة مهتم بالشان السياسي والقانوني مستشار قانوني ادارة موقع الشبكة من اجل ثقافة قانونية والخبر الصحيح ادارة عراق المودة لاستضافة المواقع

ربما تكون قد فاتتك